هاري وغلورياالساحرة في الفرن
قصة ما قبل النوم من PENYA
كتابٌ صوتي من عالم الحكايات.
 
هاري وغلوريا والساحرة في الفرن
كان يا ما كان، على أطراف غابة لا نهاية لها، بيت صغير ذو سقف مائل، يسكنه طفلان: هاري، الأكبر سنًا، فتى ذكي ذو ذهن متوقد ونظرات شاردة أحيانًا، وأخته الصغيرة غلوريا، التي كانت تحب أن تركض حافية القدمين وسط الأعشاب الطويلة وتطلب في المساء دائمًا قصصًا من أمها. كان بيتهما مخفيًا بين أشجار الزان العتيقة والبلوط الملتوي، حتى إن القليل من أهل القرية القريبة كانوا يضلّون الطريق إليه. نما العشب هناك بغزارة، كما نمت الأزهار البرية والأعشاب العطرية ذات الرائحة النفاذة.
في صباحٍ من الأيام، حين لم تكن الشمس قد ارتفعت بعد فوق قمم الأشجار وكان الندى يلمع على خيوط العناكب، جلس هاري وغلوريا عند الطاولة الخشبية يشربان شاي الأعشاب الساخن. في الخارج كانت الدنيا صافية وهادئة؛ نقّار خشب يطرق جذع شجرة، وفي مكان بعيد كان الماء يتدفق برفق. أمّهما، وهي امرأة ذات شعرٍ أشقر طويل ويدين تفوح منهما رائحة التراب والخزامى، ملأت الأطباق بالخبز الطازج والعسل وأول ثمرات الموسم. سرت كلمات دافئة في الغرفة الصغيرة، وهم كالعادة قبل الطعام يشكرون – لا على المائدة وحدها، بل على حيوانات الغابة، والنباتات الشافية، والسلام الذي يجمعهم.
كان الأطفال يحبون أمهم من كل قلوبهم. وكانوا يعلمون أنها تختلف عن باقي أمهات القرية. كانوا يرونها كثيرًا وهي تدهن مراهم لجناح طائر جريح، أو تطعم أرنبًا مصابًا. وفي الصيف، إذا جاءها أحد القرويين مصابًا بالحمى، كانت تُعدّ له صبغات وأوراق شاي وجذورًا، وتتمتم بكلماتٍ بلغة لا يعرفها أحد غيرها. وبعد أن يشفوا، كانوا ينحنون لها شاكرين، لكنهم في طريق عودتهم يكررون صليب الحماية وكأنهم رأوا الشيطان نفسه.
وكان الأطفال يشعرون بتلك البرودة كلما اضطروا إلى الذهاب إلى القرية – سواء للسوق أو للمدرسة. بعض القرويين كانوا يحيّونهم بلطف، ولكن معظمهم كانوا يطيلون النظر خلفهم؛ وبعض النساء والرجال كانوا يُخرجون حُليًّا على شكل صليب. وكان يُسمع أحيانًا من يهمس: "أبناء الساحرة." وفي يوم، سألت غلوريا أمها بصوت خافت وهي تعجن الخبز: "لماذا يخافون منك؟ وأنت لطيفة." فقبلتها الأم على رأسها وقالت: "بعض الناس يخافون مما لا يفهمونه. أمّا الطبيعة، فهي وحدها تعرف أنه لا خوف فيها."